. . . ثـم إلى إسـرائيل وفـلسطين ؟ أم إلى أيـن؟
تمهـيد الطـريـق نحـو المستـقـبل
قـد يسهى عـن البعـض أن النظر إلى الأمام هـو أفضل ضمان للوصول إلى الهدف بـدلا من الإدعـاء بالسير قدما بينما ينظر المرء في المرآة الخلفية ! لقد "عــاد شعــب اسرائيل من الشتاة كي يعـيش بسلام في ارض صهيون" حسب التعــبير اليهـودي . سـلام لليهود ، وكلنا أمل أن يشمل ذلك السلام من حولهم . اليوم يعـيش شعــب فلسطين شتاته داخل وطنه التاريخي وخارجه . وهو أيضا يبحث عــن السلام ويطمح إلى العــودة إلى وطنه كما فعـل اليهـود .
لا شـك في أن الفواجع التي وقعــت خلال المائة سـنة الأخـيرة تركت جرحا عـميقا ومؤلما في تاريـخ الشعـبين الفلسطيني واليهـودي ولذلك فإنهما بحاجة لفترة نقاهة تدريجية تحت العـناية الفائقة كي تـنجـح . هذا بالطبع إذا كانت لـدى الشعــبان الإرادة والقدرة اللازمة لتحديد مسارهما معـا بصدق وحـرية . أما إذا لم تكن عـندهما القدرة عـلى ذلك أو ما هـو أسوء ، إذا لم لتكن لديهما الإرادة اللازمة لإعـادة النظر في طريقة معـالجتهما للمشكلة ، فعـلى السلام السلام ليس لهما فقط ، بل وللعـالم أجمع .
أدين عـدة كتاب اسرائيليين من قبل مناوئيهم الذين يصفونهم "بالمرتدين" ، في الوقت الذي كانوا فيه عـلى مستوى عال من الإتـزان الفكري والدقة في تغـطيتهم لمجمل القضية منذ منشئها28 . غـير أن هناك من يعجزون عـن تخطي تحيزهم وعـمى بصيرتهم المتعـمد وعـدم قدرتهم عـلى الإقرار بأن العـذاب يصيب كل الأحياء أكانوا بشـرا أو حتى حيوانات وأنه ليس وقفا عـلى الشعــب اليهـودي فقط .
وهذا الوضع يجد مثيله في الجانب العـربي حيث العـمى المتعـمد حيال الواقع منتشر هو الآخـر وعلى الأخص بين المسؤولين . فالأشخاص الذين عـلى تلك الشاكلة إنما يعـشقون ما يقولونه وتدور حياتهم حوله أكان له أساس من الصحة أم لا ، وسواء نتج عـنه ضرر حتى لمصالحهم أم لا . وتشكل تلك النماذج خطرا مميتا لإمكانية إيجاد تسوية ملائمة للطرفين أو سلام في المستقبل بين الفلسطينيين والإسرائيليين والعـرب وكل من له مصلحة في استتباب السلام في العـالم . وبفضل أمثال هؤلاء لم يكن هنالك نقص في الأسباب التي أدت إلى فشل مبادرة السلام وخرائط الطريق واتفاقيات السلام المرحلية رغـم حسن نية الكثيرين غـيرهم من الذين كانوا يفكرون بكل واقعـية وبملئ أمخاخهم .
في معـرض إجابته عـلى تساؤلاته "لماذا فشل اتفاق أوسلو؟"29 قال الكاتب الإسرائيلي أوري أفنيري أن "الإتفاق بني منذ البداية عـلى أساس مهتزلأنه كانت تنقصه رؤية واضحة بالنسبة للهدف النهائي لمسيرة السلام" . ويضيف أفنيري قائلا أنه " بالنسبة (للزعـيم الفلسطيني ياسر) عــرفات كان الأمر واضحا أن "المراحل المؤقتة" سوف تقود إلى دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغــربية وقطاع غــزة ربما مع تبادل طفيف في الأراضي . أما القدس الشرقية بما فيها الأماكن المقدسة بالطبع فسوف تصبح عـاصمة لفلسطين ، وأنه سوف تتم إزالة المستوطنات" . ويقول أفنيري "أنني مقتنع بأن (عـرفات) كان سيقبل بعـودة رمزية لعـدد محدود من اللاجئين إلى اسرائيل ."
"غــير أن هدف رابين لم يكن واضحا حتى لنفسه" حسب قول أفنيري . حيث أنه لم يكن مستعـدا في هذا الوقت لقبول دولة فلسطينية . ونظرا لعـدم وجود هدف متفـق عـليه فشلت "المراحل المؤقتة" .... فرابين وليد الفكر الصهيوني التقليدي ... وكان يحمل في جسمه الشفرة الجينية للحركة الصهيونية التي كان هدفها منذ البداية هو تحويل أرض اسرائيل إلى دولة يهودية صرف لا تعـترف حتى بوجود الشعــب العـربي الفلسطيني كما أن منطقها نتيجته تهجير هذا الشعــب ... وكغـيره من أبناء جيله في اسرائيل فقد تشرب تلك العـقيدة مع حليب أمه وتربي عـليه باستمرار . وفي اللحظة الحرجة من حياته واجهه صدام داخلي . فعـقله التحليلي أشار إليه بإقامة السلام مع الفلسطينيين و"التنازل" عـن قسم من بلده وإزالة المستوطنات ، بينما الجين الصهيوني الذي نشأ عـليه كان يرفض ذلك بكل قوته . وقد بدى ذلك واضحا كل الوضوح خلال حفل التوقيع عـلى اتفاقية أوسلو حين قدم يده لمصافحة عـرفات لأن عـقله أشار إليه بذلك ، إلا أن حركات جسمه دلت عـلى رفضه ذلك ."
هذا ولم يتوقف أفنيري عـند تحليل ما لم ينجح ، بل اقترح حلا للمشكلة عـندما ذكر في نهاية المقال أنه "من المستحيل إقامة السلام دون التزام فكري وحسي ، كما لا يمكن تغـيير مسار أي حركة تاريخية دون إعـادة النظر في تاريخها ، كما أنه لا يمكن لزعـيم أن يقود الجماهير نحو تغـيير شامل (كما فعـل مصطفى كمال أتاتورك في تركيا عـلى سبيل المثال) إذا لم يكن هو نفسه متبتلا لهذا التغـيير. كما لا يمكن إقرار السلام مع عــدو دون تفهم واقعـه ."
ولكن مع الأسف أن القوى الداخلية في اسرائيل التي قامت بخلق مناخ أتاح لجريمة اغـتيال (رابين) كانت هي الرابحة في نهاية الأمر ، وكان الخاسران هما شعـب اسرائيل والشعـب الفلسطيني . عـلما بأنه يجب أن لا نغـفل أنه في عـالم متشابك فإن الجميع يخسر مع الشعـبان .
ولعـله من المفيد أن نضيف أنه بعـد عـقود من الزمن تميزت بأعـمال العـنف ، فلا الفلسطينيين ولا اليهـود كانوا "مبرمجين" كي يعـرفوا كيف يحققوا السلام . فضلا عـن أنه كان لدى كل جانب فـريق يعـارض مسيرة السلام بكافة أشكالها . ولا يريد أن يرى أي اتفاق يأخذ الآخر بعـين الإعـتبار . فـفي نظر هؤلاء الرافضون المشاركة عــبارة عـن خسارة وهـزيمة .
|