محمد علي الطاهر
 

نبذة ذاتية

>

صفحة ٤٨

البحث عن بـورقيبـة فـي القاهـرة

لكل أمة في تاريخها رجل أو امرأة كان لهما أكبر الأثر على تغيير مُقَدّرات الأمور ومستقبل البلاد بشكل ملموس . هناك من يترك أسوأ أثــر ، والأمثلة كثيرة إلى يومنا هذا ، وهناك من ينجح في إحداث تغييرات جذرية ما كانت لتقع لولا الدور المتميز الذي لعبه هذا الشخص .

فمن حسن حظ تونس التي تفخر بكونها منطلق أول مؤسس للجغرافيا الاجتماعية على الإطلاق عبد الرحمن ابن خلدون الأندلسي في القرن الرابع عشر، أن تكون أيضاً قد أنجبت الحبيب بورقيبة الذي قاد نضالها حتى الاستقلال عام ١٩٥٦ . وإذا كان بورقيبة قد نجح في انتزاع تونس من قبضة الاستعمار الفرنسي ، فإن ذلك يعود بطبيعة الحال إلى توفر عدد من العوامل المساعدة الأخرى ، إلا أن بورقيبة كان واقعيا بحيث أنه لم يحاول أن يلجأ إلى التهديد والوعيد مع فرنسا، بل كان المحرك الذي ساعد عدوه على إيجاد تلك العوامل والاقتناع بكونها في مصلحة فرنسا ،  جرت المباحثات بين بورقيبة وبيار مندس – فرانس وهو سياسي يهودي يساري معروف أضحى فيما بعد رئيسا لوزراء فرنسا أبان الجمهورية الرابعة عام 1954  ومن الجدير بالذكر أن مندس – فرانس كان متفهما جدا لموقف بورقيبة ، كما كان الأخير متفهما لظروف مندس - فرانس ، الأمر الذي أتاح للجانبين أن يناقشا موضوع استقلال تونس الذي نجحا في التوصل إليه عام 1956 .

ومن ثم تنفيذ ما كان بورقيبة والشعب التونسي يرميان إليه منذ البداية بدون إراقة الكثير من الدماء، ألا وهو الاستقلال ، أو "الإنعتاق" ، كما كان يشير إليه بورقيبة أحياناً .

ولعل نجاح بورقيبة الأكثر أهمية فيما بعد كان إعادة بلورته لأولويات الشعب التونسي ووضع الأسس المتينة التي لولاها لم يكن بالإمكان إحداث أي تغيير كالتغيير الاجتماعي الجذري الذي أحدثه وكأنه يطبق ما نادى به سلفه ابن خلدون. وهو الأمر الذي دفع بتونس في وقت ما إلى مدار يفوق مدارات الشعوب والدول المجاورة نوعاً وكمّاً . وسبب نجاح بورقيبة فيما فشل فيه غيره هو تكريسه للتعليم على جميع مستوياته ، ووضعه الدين في مكانه الطبيعي بحيث لا يستغله البعض للتأثير على مسار حركة التحرر من الجهل والتخلف والإنعزالية ، وتحريره للمرأة من تقاليد نسبت خطئا إلى الإسلام فضلا عن الخرافات والخزعبلات الاجتماعية والتعقيدات القانونية والإدارية النابعة عن ذلك والتي لا هدف منها سوى خنق النساء وقهرهن . كما ركز على النهوض بالصناعة والزراعة ، (أو الفلاحة ، كما تسمى في تونس) . وأخيراً حرص على إعطاء تونس والتونسيين مكاناً لائقاً ومحترماً بين الأمم والشعوب المتحضرة .

بورقيبة يخطب في جماهير مدينة سوسة عام ١٩٦١

كانت لأبا الحسن والحبيب بورقيبة علاقة صداقة متميزة منذ الثلاثينات ، وإن كانت علاقة أبا الحسن بتونس تعود الى أوائل العشرينات حين كان يكتب عنها في جرائد مصر بل وصحف تونس نفسها . وقد نشرت قصة أبو الحسن وبورقيبة في عدد من الكتب والمقالات ، كما ذكرها بورقيبة عدة مرات بنفسه في خطبه العامة بعد أن تولى رئاسة الوزارة ثم رئاسة الجمهورية التونسية .

بدأت العلاقة بين الرجلين دون أن يعرفا بعضهما شخصياً بحكم أنهما يقطنان في بلدين مختلفين ، فأبو الحسن شخصية مرموقة في مصر والعالم العربي ، وبورقيبة محام غير معروف خارج نطاق تونس . فلما قاد بورقيبة عام ١٩٣٤ حركة انشقاق على الحزب الدستوري التونسـي الذي كان يقوده الزعيم التاريخي عبد العزيز الثعالبي ، الذي كان الموجه الرئيسي للنضال ضد الاستعمار الفرنسي، تصدى أبو الحسن في جريدته للمنشقين وزعمائهم بضراوة خوفاً منه على مستقبل الحركة الوطنية التونسية خاصة بعد أن قام بورقيبة بتأسيس الحزب الحر الدستوري التونسـي .

الصفحة السابقة
الصفحة اللاحقة
 
Eltaher.org ٢٠٢٤ © | اتصل بنا