ماذا يريد الفلسطينيون ؟
كل ما يطلبه شعب فلسطين على ضوء الوضع الحالي هو استعـادة احترامه وعــزته بين الناس ، واعـتماده عـلى نفسه عــبر وحـدة وطنية ، وقيامه بإدارة شـؤون نفسه بنفسه بفضل قيادة عـصرية (مـودرن) تكون كفـوءة و غـير مهملة ومؤهلة ومسؤولة ، تمثله تمثيلا لائقا هـو كل ما يطلبه عـلى ضوء الواقع الحالي . أما استمرارهم عـلى الإعـتماد عـلى الصدقات الدولية التي يختفي معـظمها دون معـرفة مآله ، فلا يقـل عـن كونه كارثة وإهانة وطنية غـير مقبولة . هذا ما لا يريده الفلسطينيون .
لم يبقى للفلسطينين اليوم شيء يقدمونه لشعـبهم أو للعـالم . فالموقع الاستراتيجي الذي كانت فلسطين تحتله في شـرق البحـر الأبيض المتوسط وعـلى البحـر الأحمر اختفى منذ سنوات طويلة ، وأشجار الزيتون التي كانت تؤمن انتاج زراعـي صناعـي يوفـر ثـروة اقتصادية معقولة اقـتلعـها الإسرائيليون بحجة أن "المخـربين يختبئـون خلفها". والذي رأى شجرة زيتـون في حياته يعرف أنه لا مكان لقطة أن تختبىء خلف هذه الشجـرة الصغـيرة . أما الأرض المقدسة فقد أصبحت هيكلا عـما كانت عـليه ، ثم أن عـدد المسيحيين في أرض المسيح يقل باستمرار ولا يمكن لوم اسرائيل فقط على ذلك . فخلافا للوضع الإقتصادي والإجتماعي المتأزم في كل من الضفة الغربية وقطاع غـزة ، وكذلك التصرفات غير المقبولة من جانب بعض المجموعات الإسلامية المتطرفة ، فإن الدول العظمى الأوروبية والأمريكية لا تفنى في اتباع سياسة خبيثة تبدو وكأنها موضوعة "لإنقاذ" مسيحيي الشرق عن طريق تسهيل هجرتهم من الأرض المقدسة . ويجب ألا ننسى أن تأثير تلك السياسة التي يبدو وكأنها تطبق بنية سليمة ، إنما تحظى بتشجيع من بعض الجهات وليست فقط اليهودية بل وبين الإنجيليين الأمريكيين و غيرهم الذين يعتبرون أن تلك وسيلة فعالة لإفراغ الأرض المقدسة وغيرها من البلدان المحيطة بها في المنطقة من الجاليات المسيحية على اعتبارها مكونة أساسا في غالبيتها من أرثوذوكس وكاثوليك أي عربا غير معنيين بالتبشير الإنجيلي عن طريق برامج هجرة نشطة ومعززة.
فبالنسبة للإنجيليين تعتبر هجرة كلا من المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين وسيلة فعالة لإعادة الأرض المقدسة دون سكانها إلى الشعب اليهودي كي يتم التعجيل بعودة السيد المسيح على الأرض حسبما يعتقدون . أما بالنسبة لإسرائيل فانها تخفف من الضغط الذي تلقاه من مختلف الدول المسيحية و الكنائس مثل الفاتيكان وغيره من السلطات الروحية المسيحية . ويعتبر ترحيل المسيحيين خطرا داهما لفلسطين التي أضحت بدون أي أهمية تذكر حيث أنه يؤدي إلى إفراغ البلاد من محتواها التاريخي . أما فيما يتعلق بالمتطرفين الإسلاميين الذين عميت بصيرتهم فقد يعتقدوا أن ذلك الوضع لصالحهم أو لصالح فلسطين غير أنها كارثة هائلة لمستقبل الأرض المقدسة بل وللتراث والحضارة العربية والإسلامية وخطوة هامة نحو اختفاء ما تبقى من أرض فلسطين .
أما القيادات الفلسطينية ، فإما أنها تدعــو السماء كي ترسل لها المن والسلوى ، أو أنها لاهـية تلعـب لعـبة الرؤساء والوزراء بينها البعـض وعـسكر وحرامية مع المواطنين . أما الأكفاء بين الفلسطينيين الذين كان بالإمكان الإستعـانة بهم فتجدهم مبعـثرين في مختلف أنحاء العـالم . ليس هذا فحسب ، بل أنه غـير مرغـوب فيهم من قبل المحتلين (وهذا غـير مستغـرب!) ، ولا حتى من قبل شعـبهم الذي يعـتقد أنهم لا يدركون الواقع الذي يعـيشه أهل فلسطين ، وهو رد الفعـل الطبيعـي الذي يصدر عـن القابعـين في السجون لمدة طويلة .
والواقع أن السلطة الفلسطينية هي في الحقيقة " سوبر بلدية " . ولو ركز المسؤولون عـلى الواجبات والمتطلبات الخاصة بالبلدية بدلا من الإدعـاء والفشخرة لاستفاد المواطن الفلسطيني بصورة أفضل . فقائمة الإحتياجات الماسة طويلة ، وتنفيذها هو ما يجعـل المواطنين يشعـرون بأن "حكومتهم" مهتمة بشؤونهم .
في الوقت الذي توعـد فيه الجنرال الإسرائيلي رافائيل إيتان الفلسطينيين بأنه "سيضعـهم في زجاجة كالصراصير ويحكم السدادة عـليهم" بينما كان يصف خطته بالنسبة لمستقبلهم ، حافظ هؤلاء عـلى روح القتال والجراءة بكل شجاعـة ضد المحتل ، وإن كان مصير ذلك الموقف وخـيم العـواقب في كثير من الأحيان لأنه إذا لم تكن الروح القتالية والمقاومة تشكل جـزءا من مخطط استراتيجي شامل ومتكامل ذا أهداف محددة فإن نتيجتها قد تؤذي أكثر مما قـد تـفيد .
لاوزن للفلسطينيين اليوم في السياسة الدولية ، وإن كانوا يُذْكَرون فـلكون قضيتهم مرتبطة باسرائيل . فالسياسة عـبارة عـن سـوق تجاري ، من أراد أن يدخله لابد أن يكون بائعـا أو شاريا . في سوق السياسة تشكل اسرائيل بائعـا وشاريا مهما . فهي تبيع أسلحة ، وخبرات في مجال التجسس ، والمعـدات الأمنية ، وأساليب الإرهاب ومكافحته . كما أن اسرائيل مساهم كبير في العـلوم والتكنولوجيا ، وعـلوم البحث والتطوير ، والزراعـة ، والطـب ، والشؤون المصرفية ، إلخ . أكانت مساهمتها جيدة أو سيئة ، يبقى الواقع أن اسرائيل تحتل مكانا هاما .
لكي يدخل الفلسطينيون السوق يتعـين عـليهم أن تكون عـندهم ولو سلعـة واحدة قابلة للتسويق بذكاء . وليس من الضروري أن تكون تلك السلعة ذات قيمة تجارية . فقد تكون فنية أو فكرية أو غيره طالما أنها تبرز الفلسطينيين في العالم . صحيح أن كل العـقبات مرصوصة ضدهم من الذين كان من المفروض أن يكونوا حلفائهم وبالطبع من قبل عــدوهم . واليوم وهم رازحين أسرى و قبضة اسرائيل عـلى رقابهم ، فليس بمقدورهم أن يستخدموا حتى مياههم ليشربوا ويسقوا زرعهم وباقي احتياجاتهم بدون إذن من اسرائيل . وتحت تلك الظروف المتجبرة لا يمكن أن ينتج عـنهم أي شيء ولا حتى فكريا .
غـير أنه لو تركت للفلسطينيين فـرصة تنظيم حياتهم الداخلية ووضع أولوياتهم حيث يجب أن تكون مثلهم مثل باقي الأمم ، فإنهم قادرون عـلى إثبات جدارتهم وأخذ مكانهم في سوق السياسة وجلب انتباه العـالم وتأمين حريتهم واستقلالهم . وفي نهاية المطاف لا يطلب الفـلسطينيون من العـالم أي شيء سـوى الإنعـتاق وتركهـم وشأنهم !
|