محمد علي الطاهر
 

وثـائـق ومراسلات وصــور

>

فلسطين

>

صـورة

صـورة رقم ٢٩٨ / ٣١٩
Memorabilia - 1913 - Ottoman Pilots ذكريات محمد علي الطاهر
عن أول طائرة شاهدها وهو فتى*

كيـف أنسى أول طيارة شاهدتها وأنا فتى، وكيف عدت عليها الأقدار فغرقت أمامي ومات من فيها، ففي أواخر سنة ١٩١٣ أرادت الدولة العثمانية أن تثبت وجودها أمام شعبها وأمام الدول الأخرى من ناحية الطيران، لا سيما بعد أن جاء المسيو "جـول فدرين" الطيار الفرنساوي إلى بيروت قادما من باريس على طائرة يقودها بنفسه حتى القاهرة. فقد فتنت فرنسا بهذه الطيارة عقول أنصارها في لبنان بعظمتها الفنية وقدرتها العسكرية، فكيف في عيون أهل الشرق!

ولذلك بعثت الدولة بإحدى طياراتها من استانبول إلى القاهرة، ولكنها سقطت بطياريها الفتيين المرحومين "فتحي وصادق" بجوار بحيرة طبرية في فلسطين. فأرسلت الدولة طيارة ثانية بقيادة الضابط نوري بك ومساعد له، فوصلت إلى يافا، وكنت يومها هناك، فهبطت الطيارة على أرض الرمال في أطراف يافا – حيث قامت عاصمة اليهود بعد ذلك – وكنا قبل وصول الطيارة نرقب الجو بعيون زائغة إلى أن لاح في الأفق عصفور ما لبث أن كبر، ثم كبر وكبر إلى أن أصبح فوقنا كالسفينة، فاندهشنا وكنا لا نكاد نصدق ما نرى، وهبطت الطيارة رويدا إلى أن استقرت على الرمل الأبيض النقي. وهرع الناس إلى الأسطورة التي أصبحت حقيقة.

وتمكنت يومها من لمس ملابس نوري بك والتحسيس بيدي على جناح الطيارة. وكان من الخشب المكسو بالجلد الرقيق. وبذلك صدقت أن الإنسان يمكنه أن يطير كالعصافير، بدون أن يخطر ببالي ولا ببال مخترع الطيارات أن اختراعه العجيب سينقلب إلى طير أبابيل يخرب به الإستعمار ديار الآمنين.

وفي اليوم الثاني خرجت مدينة يافا لتوديع الطيارة وهي في طريقها إلى القدس فالقاهرة. فلما حلقت في الهواء وأرادت الإنعطاف إلى الشرق نحو بيت المقدس إذا بها تسقط في البحر، فكان لهذه الفاجعة في النفوس أثرا عميقا محزنا لا يمكن أن يزول من خيال الإنسان طول حياته.

*مقتبسة من كتاب "ظلام السجن" الذي ألفه ونشره أبو الحسن في القاهرة عام ١٩٥١.
صـورة رقم ٢٩٨ / ٣١٩
 
Eltaher.org ٢٠٢٤ © | اتصل بنا