وقد ارسل أبو الحسن البرقية رأساً إلى سراي القبة ، أي مقـر إقامة الملك ، و ليس إلى ديوانه في سراي عابدين ، وذلك للتأكد من وصولها في نفس الليلة . عند وصولها بعد منتصف الليل قام رئيس الحرس بتسليم الملك البرقية فاطلع عليها ثم وضعها في جيبه دلالة على أهميتها وأمر رئيس الحرس بأن يطلب من رئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي أن يحضرا قبل ظهر اليوم التالي للاجتماع به في ديوانه بسراي عابدين .
ويمكن الاطلاع على تفاصيل ما دار في القصر في مذكرات كريم ثابت باشا٤٢، المستشار الصحافي للملك
، التي قال فيها بالحرف الواحد أن "الجندي المجهول" في قصة التجاء الأمير عبد الكريم إلى مصر من أولها إلى آخرها والذي أرسل البرقية إلى الملك هو الأستاذ محمد علي الطاهر صاحب جريدة "الشورى". وكانت تلك المذكرات قد نشرت في بادىء الأمرعلى حلقات في جريدة الجمهورية الصادرة في القاهرة يوم ٢ مايو (أيار) ١٩٥٦ .
استعد أبو الحسن بالتفاهم مع كريم ثابت باشا وبالتشاور مع إخوانه أعضاء مكتب المغرب العربي بالقاهرة يوم ٣١ مايو (أيار) ١٩٤٧ لتنفيذ المرحلة الثانية من الخطة حيث توجه قسم منهم إلى ميناء السويس للقاء الأمير والتذاكـر معه في مسألة تهريبه ، بينما توجه الفريق الآخر إلى ميناء بورسعيد لتنفيذ المرحلة الأخيرة من الخطة . بعد أن وصلت الباخرة إلى ميناء السويس ، صعد إليها الأميرالاي محمد حلمي حسين بك الذي كلفه الملك فاروق بإبلاغ الأمير عبد الكريم تحية ملكية سامية من طرفه وطرح عليه فكرة لجوئه إلى مصر . فوافق الأمير من حيث المبدأ وإن كان قد بوغت بالفكرة ، واتفق الاثنان على أن ينزل الأمير وحاشيته في بورسعيد ، أي بعد اجتياز قناة السويس كي يتمكن الأمير من التشاور في الأمر مع أفراد أسرته . استقل الأميرالاي محمد حسين حلمي بك بعد ذلك قطارا إلى بورسعيد كي يأخذ الجواب من الأمير عبد الكريم لدى وصول الباخرة .
ما أن رست الباخرة في بورسعيد حتى صعد اليها حلمي بك حيث أخبره الأمير عبد الكريم بأنه قد استقر رأيه على قبول دعوة الملك . وعند ذلك لقّنه حلمي بك تفاصيل التمثيلية التي مثلت بعد ذلك ، لكي تستطيع السلطات المصرية أن تقول أن عبد الكريم وضعها أمام الأمر الواقع بالتجائه هو وأسرته إلى مصر .
|
السفينة الأسترالية "كاتومبا" |
©Australian War Memorial |
|
نزل الأمير عبد الكريم من الباخرة مع أفراد أسرته في بورسعيد بحجة زيارة المدينة كما زار مدينة عدن من قبل . غير أنه توجه مع مستقبليه من أعضاء مكتب المغرب العربي إلى جانب محمد علي الطاهر الذين كانوا في انتظاره إلى دار الحكومة حيث كان محافظ بورسعيد فؤاد شيرين باشا ينتظره . وهناك طلب الأمير اعتباره لاجئاً سياسياً في مصر . وتوجه الجميع فورا إلى القاهرة حسب الخطة المرسومة . وذهب الأمير الى قصر عابدين حيث رحب به كريم ثابت باشا باسم الملك ومن هناك أخذته وصحبه سيارات القصر الملكي إلى استراحة الملك في إنشاص القريبة من القاهرة . وهكذا ما أمسى المساء حتى كان الأمير وأسرته في القاهرة ضيوفاَ على مصر . وبذلك تم انقاذهم من يد السلطات الفرنسية .